كتاب الكفاح المسلح في عهد الأمير عبد القادر -المقدمة ص8-10.

0

    بسم الله الرحمن الرحيم، هذه محاولة لنشر الكتاب نصيا بدل تصويره حتى يسهل إيجاد ما فيه عند البحث ويسهل النقل والقراءة على القراء والباحثين، ونشره على أجزاء تدوينية ثم جمعه كاملا ونشره بصيغة وورد وpdf وهو من مقدمة وستة فصول، كل فصل في تدوينة إن شاء الله قبل الجمع النهائي.


المقدمة

    هذه دراسة متواضعة أقدمها إلى المكتبة الجزائرية، راجيا أن تكون وافية ووفية لجانب الكفاء المسلح عند الأمير عبد القادر.
إنني أدرك أن هذا الموضوع ليس بالأمر الجديد، ولكن القارئ سيرى، من خلال سرده للصفحات الأولى، بأن طريقة المعالجة، ومنهجية البحث لا علاقة لها بما تعود أن يعرض عليه.
    إن شخصية الأمير عبد القادر، التي تجاوزت الإطار الوطني، قد حظيت بعناية لا مثيل لها من قبل شخصيات متعددة المشارب، متنوعة الهوايات ومختلفة الاتجاهات.
    لقد كتب عن حياة عبد القادر الجزائري خصومه من ضباط الجيش الفرنسي، ومؤرخون من فرنسا التي حاربها طويلا فكانت دائما تقابل مواقفه الشريفة بالغدر والخيانة، كما تولى الكتابة عنها كثير من المثقفين الأوروبيين الآخرين.
    غير أن الموضوع ظل ناقصا، لأن الضباط كانوا يهدفون بالدرجة الأولى إلى التعريف بأنفسهم، أو إلى مدح قادتهم ومحاولة تبرئة ساحتهم من جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب الجزائري أثناء مقاومته الطويلة، ولأن المؤرخين الفرنسيين عملوا كل ما في وسعهم لتجريد الأمير عبد القادر من هويته الحقيقية وتقديمه، تارة في صورة الصديق الوفي لفرنسا، وأحيانا في لون المقاتل البطل الذي هزمه بيجو، وفي الحالتين فإنهم يحيطون تاريخ الرجل بكثير من الشك الذي يؤدي، في النهاية إلى الاهتمام، أم الأوروبيون الآخرون فبعضهم مدفوع
-ص8-
للكتابة برغبة في الانتقام من فرنسا التي غنمت وحدها ما كان يجب أن يكون ملكا مشاعا بين الجميع، وبعضهم ناول القلم لتمجيد المسيحية التي استطاعت، أخيرا، أن تقهر الإسلام في عقر داره، خاصة وأن الجزائر، قبل الاحتلال، كانت تدعى دار الجهاد.
    ثم جاء الاستقلال...فصار علينا أن نصلح أوضاع تاريخنا، فنكتب للأجيال حقيقة شعب يعتز بنفسه وبحضارته العربية الإسلامية...شعب استطاع أن يلد رجالا دوخوا الغزاة على اختلاف أنواعهم، وفي سائر مراحل التاريخ، ومن جملة أولئك الرجال، ذلك الذي استحق، عن جدارة، لقب ناصر الدين في الوقت الذي كانت فيه نيران الحرب متأججة.
    ولكن كتابة التاريخ بروح علمية ووطنية، في آن واحد، ليست بالأمر السهل، إنها تتطلب توفير شروط أساسية أهمها ما يلي:
1) تخليص الباحثين الوطنيين من مركب النقص الذي يمنعهم من رفض سيطرة التاريخ الاستعماري، ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا عرفنا كيف نحول عقليتنا من عقلية روتينية تركن إلى التبعية ولا ننفر منها إلى عقلية ثائرة، تعمل جادة في تجاه الخلق والإبداع من أجل الوصول إلى تحقيق استقلال ثقافي كامل، لأن الثقافة الأجنبية، التي سهلنا لها غزو بيوتنا قد شلت ذهنياتنا، وقضت على روح المبادرة فينا بسبب تقبلنا لها ونحن غير مسلحين بثقافة وطنية أصيلة.
2) توفير الإمكانيات المادية والأدبية التي يحتاج إليها الباحثون لأداء مهمتهم النبيلة على أحسن وجه، ومن جملة تلك الإمكانيات معاملة الدارسين كأناس شرفاء، والسماح لهم بالوصول إلى الوثائق والشواهد المختلفة التي يحتاجون إليها في كتابتهم.
3) إيمان القيادة السياسية، في البلاد بأن الذي لا يدرس الماضي لا يمكن أن يفهم الحاضر، ومن ثمة فهو
-ص9-
لا يستطيع بناء مستقبل، لأن عملية البناء والتشييد تعتمد أساسا على الواقع المعاش.
4) استعداد رجال البحث لتقديم المزيد من التضحيات، رغم ما يلاقونه من مشاق وصعوبات، في سبيل خدمة تاريخ البلاد على اختلاف مراحله.
    فإذا توفرت هذه الشروط التي هي في متناولنا، وإذا تسلحنا بمنهجيات البحث الحديثة وبالروح العلمية الوطنية، فإننا سنتمكن، لا محالة، من استرجاع ثروتنا المسلوبة، واستعادة قيمنا المهدورة وإصلاح ما أفسده الاستعماريون على مر السنين.
    أما الموضوع الذي بين أيدينا والذي لا أدعي له الكمال، فإنني بذلت كلما في وسعي ليكون عند حسن ظن القراء فإليهم أترك الحكم له أو عليه.
الجزائر، يوم فاتح نوفمبر سنة 1979
د/ محمد العربي الزبيري
-ص10-

جميع الحقوق محفوظه © وادي سهر

تصميم الورشه