المقال محول إلى صيغة نصية تدوينية، نشر في مجلة الباحث العدد:17، لكاتبه عيسى بوقرين بعنوان ابن ناصر بن شهرة رمز المقاومة الشعبية في الجنوب الشرقي الجزائري 1850-1875 يمكن تحميل نسخة مصورة منه هنا
يهدف هذا البحث إلى إماطة اللثام عن شخصيات المقاومة في الجنوب الجزائري و بالأخص في منطقة الجنوب الشرقي التي عرفت قيادة جماعية للمقاومة استمرت ربع قرن من الزمن من سنة 1850 و إلى غاية سنة 1875 وفي رقعة جغرافية واسعة امتدت حتى خارج التراب الوطني خاصة على الحدود مع تونس، هذا البحث يكشف عن أحد قادة المقاومة في تلك المنطقة، والذي دعته المصادر الفرنسية بملاح الصحراء ووصفته بشتى النعوت كالعدو الذي لا يلين، ويسميه الدكتور ابو القاسم سعد الله رحمه الله بشيخ المقاومين وذلك بسبب نزوله عن صهوة جواده وهو في سن السبعين، استطاع من خلال مسيرة بدأها مع الأمير عبد القادر منذ نهاية الثلاثينات من القرن التاسع عشر وأنهاها منفيا من تونس إلى الشام سنة 1875 استطاع أن يعرقل لفترة زمنية طويلة زحف الفرنسيين على الصحراء الجزائرية الكبرى.
مقدمة:
كان لظهور شخصية ابن ناصر بن شهرة على مسرح الأحداث خلال فترة الخمسينات أثره البالغ على حركة المقاومة الشعبية في الصحراء الجزائرية بشكل عام وخاصة في منطقة الجنوب الشرقي بشكل خاص، بعد تحالفه مع شريف ورقلة محمد بن عبد الله وقيادتهما لمقاومة استمرت فترة طويلة من الزمن، ومشاركته في كل المقاومات في تلك الفترة خاصة مع أولاد سيدي الشيخ 1864، ومع الشريف بوشوشة سنة 1869، ثم في ثورة المقراني سنة 1871، فمن هي هذه الشخصية ؟ وما هي أبرز الأدوار التي لعبها؟ وهل انضمامه للمقاومة يعد فعلا إضافة حقيقية لمنع الزحف الاستعماري نحو الجنوب؟.
يهدف هذا البحث إلى استكمال كتابة تاريخ المقاومة الشعبية في الجزائر خلال القرن التاسع عشر، من خلال ال كشف عن شخصية محورية لعبت دورا كبيرا في المقاومة في منطقة الجنوب الشرقي، هو ابن ناصر بن شهرة الذي خاض مقاومة فاقت الربع قرن وامتدت إلى مناطق واسعة داخل الوطن وحتى خارجه.
1/ شخصية ابن ناصر بن شهرة:
هو ابن ناصر واسم أبيه ابن شهرة ابن فرحات، ولد سنة 1804 بضواحي الأغواط، ينحدر من فرقة أولاد سي عيسى من عرش المعامرة المنتمية بدورها إلى قبيلة الأرباع الكبرى التي تسكن تلك المضارب، وهو من عائلة توارثت المجد والقيادة، وقد تربى في وسط يتفاخر فيه الناس بالشهامة والبطولة والفروسية، فنشأ فارسا شجاعا واشتهر جده فرحات بالشجاعة وال كرم مما أهله لأن يكون قائدا على قبائل الأرباع كلها.
وقد ورث هذه السيادة أيضا حفيده ابن ناصر، وهو أيضا شخصية مرموقة، حفظ القرآن الكريم منذ صغر سنه على عادة أهله، وتعلم مبادئ الفقه عل يد مشايخ الطريقة القادرية ومن أبرزهم الشيخ أحمد الشاوي بالأغواط، و بذلك كله اكتسب قدرات كبيرة جعلته قائدا وفارسا مغوارا، وارتقى عرش السيادة بدوره على قبائل الأربع سنة 1846.
تعتبر قبائل الأرباع إحدى أكبر القبائل في الصحراء في ذلك الوقت والتي كانت ترحل نحو المناطق التلية في فصل الصيف قصد تبادل المنتجات المختلفة مع مختلف القبائل الأخرى والتزود بالقمح، وحينها كان الأمن مفقودا في الطرق التجارية تلك، لذلك لا يقدر على التنقل إلا من كان شجاعا و يستطيع الدفاع عن الأهل والأموال والماشية، وكان هذا بالنسبة لابن نصر مدرسة الحياة الحقيقية في تعلم شؤون القيادة السياسية والاجتماعية والحربية، ولما كان هذا نسبه ودأبه كان مطمح مصاهرة من قبل قادة ومشايخ المنطقة، وبخاصة الذين عرفوه عن قرب ومنهم أحمد بن سالم شيخ الأغواط، الذي أراد بمصاهرته تقوية صفه ضد أعدائه من المنافسين له على
سلطان الحكم، لذلك كان هذا أول زواج له حيث أنجب بنتا، ولما اصطدم بالنفوذ الفرنسي في المنطقة ورفض الخضوع له طلب من زوجته أن ترحل معه إلى أع ماق الصحراء للهجرة والجهاد، فلما رفضت طلقها، وتوفيت ابنته منها بعد ذلك
وقد تزوج ثانية الياقوت بنت محمد بن عبد اللهّ شريف ورقلة عندما تحالف معه على الجهاد في الصحراء منذ سنة 1851، وقد أنجبت له ولدين الأول يدعى محمد والثاني يدعى بن شهرة على اسم جده، و بعد وفاة زوجته الياقوت تزوج مرة ثالثة بالمرابطة " نوة " أخت السيد مولاي عبد القادر الإدريسي من أولاد سيدي الشيخ، وقد أنجبت له ولدان فرحات و يحي وثلاث بنات، وهي التي رافقته إلى المشرق سنة 1875، ثم بعد وفاته رجعت بأبنائها إلى الجزائر، و بالضبط إلى مسقط رأس أبيهم.
أما عن أوصاف هذا البطل فهو أشقر اللون، أحمر الشعر وخاصة لحيته، كثيف شعر الحاجبين، دائري الوجه مدرع البنية له بندقية فريدة من نوعها، ماهرا في الرماية أول الصف في المعركة، يلبس الحائك من الصوف و يعتم -يلبس العمامة- مثل الأمير عبد القادر، وكان إذا حمى وطيس المعركة يتنقب -أي يتلثم-، كان عالما بدقائق الأرض الصحراوية حتى كان يلقب بالملاح الحقيقي للصحراء، كلما حاول الفرنسيون حصاره للقبض عليه انفلت منهم بأعجوبة، وتسلل من الحصار بسبب معرفته الكبيرة بخفايا الصحراء، بطلا شجاعا دام كفاحه أكثر من ربع قرن ضد محاولات الاستعمار الفرنسي دحره وصده عن التوسع في الصحراء لا يحب الزعامة إلا إذا أرغم عليها وجد التأييد في الجنوب التونسي بصحراء الجريد و بخاصة لدى الزاوية الرحمانية بنفطه والتي كانت ملجأ للثوار الجزائريين والفارين بدينهم من الاستعمار وضل يناوش الاستعمار من هناك على الحدود مدة طويلة من الزمن في حرب الكر والفر، ومنذ 1851 لم يتوقف هو أتباعه من الأرباع عن الحرب ضد الاستعمار أو القبائل المتعاونة معه.
قال فيه أحد الثوار قولا مشهورا: (في الخيل عودي وفي الرجال ابن ناصر بن شهرة) وهذا دليل على مكانة الخيل التي كانت الأداة الهامة في جهاد الثوار واعتراف الأبطال بالأبطال، إذ لا يعرف البطل إلا البطل، ساهم بشكل كبير في الكثير من المقاومات والانتفاضات كمقاومة الشريف محمد بن عبد اللهّ بورقلة 1851، ومقاومة أولاد سيدي الشيخ 1864 وبوشوشة في الصحراء 1869، وثورة المقراني والحداد سنة 1871، جاب كل الصحراء من الشرق إلى الغرب قصد استنفار الهمم والحث على الجهاد، فشكل بذلك أول قيادة جماعية للمقاومة وكان بحق الرابطة الحقيقية وهمزة وصل بين كل الثورات والانتفاضات التي اشتعل فتيلها ابتداء من خمسينات القرن التاسع عشر والى غاية 02 جوان 1875 حيث نفي من قبل باي تونس والذي أذن له بالركوب من مرسى حلق الوادي إلى بيروت، ومنها إلى دمشق حيث أمضى بقية حياته مجاورا للأمير عبد القادر إلى أن توفي سنة 1884
2/ بداية مقاومته 1851
تلقى ابن ناصر ابن شهرة تكوينا عسكريا في مدرسة الأمير عبد القادر الحربية والوطنية وكان من فرسانه الشجعان، وكان له تأثير كبير على الثوار في جمع الكلمة والانضباط ونشر العاطفة، الدينية والوطنية إلا أن مشواره الجهادي قد بدأه منذ اعتلاءه قيادة الأرباع سنة 1846 حيث كان يرفض كل تعامل أو اتفاق مع الاستعمار الفرنسي وذلك بالرغم من العروض المغرية التي كان القائد العام لمنطقة المدية " الجنرال لادميرول يعرضها عليه مقابل قبوله الانضواء تحت راية الفرنسيين، وكان أخر هذه العروض تلك التي حملها إليه الملازم كاروس بتاريخ 05 سبتمبر 1851 عندما كان رفقة قبائل الأرباع بالقرب من بوغار في إطار الرحلة المعتادة نحو المناطق التلية.
وعلى غير العادة كانت في لهجة المبعوث" كاروس" وجنوده الصبايحية الثلاثين نبرة حادة تحمل في معانيها الكثير من التهديد والوعيد إذا ما رفض القائد ابن ناصر الانصياع لهذا العرض، فلم يكن أمامه هذه المرة إلا أن يعلن جهرة عن حقيقة شعوره تجاه الاستعمار، فحضر هو وأخوه أبو بكر كمينا لهذه البعثة ليبرهن عن قدراته القتالية و يعلن بذلك قيام انتفاضته، فجرد المبعوث "كاروس" وجنده من أسلحتهم 20 ونزع عنهم ألبستهم عدا ما يستر عورات هم، ثم أطلق سراحهم وأمرهم بالعودة من حيث جاؤوا، وليبلغوا من بعثهم بأن ابن ناصر بن شهرة سيلتحق بمن يمثل الدين والاستقلال وهو يعني بذلك الجهاد من أجل الوطن الذي يمثله آنذاك شريف ورقلة محمد بن عبد الله.
ومباشرة بعد ذلك انسحب ابن ناصر بن شهرة جنوبا وقد لاحقته القوات الفرنسية التي استطاعت أن تجرد زمالته من بعض رؤوس مواشيها في الشهبونية، وقد وجهت نداء لكل الوحدات الفرنسية في تلك المناطق رفقة العملاء باعتراض قافلة ابن ناصر بن شهرة ومحاولة القبض عليه.
توجه ابن ناصر جنوبا نحو الأغواط وتحصن بقصر الحيران بعد أن تموّن بالشكل الكافي، كما اتصل بشريف ورقلة محمد بن عبد اللهّ، الذي كان قد رجع آن ذاك من المشرق واستقر بورقلة لمقاومة الزحف الاستعماري، وتفاهما على العمل والتنسيق المشترك بينهما، وكان ذلك خلال شهر نوفمبر 1851، كما اتصل سكان المدينة بابن ناصر بن شهرة وخاصة أعيانها للتعاون معه.
3/ تحالفه مع الشريف محمد بن عبد الله:
إن اتصال شريف ورقلة محمد بن عبد الله بابن نصر بن شهرة في بداية شهر نوفمبر 1851 يعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ المقاومة في الجنوب ذلك أنه توحدت صفوف المقاومين في منطقة واسعة جدا امتدت من جنوب المدية شمالا إلى غاية جنوب ورقلة وعين صالح في الجنوب وإلى تقرت و بسكرة وتبسة شرقا وحتى البيض وتيارت غربا، وضمنت ولاء الكثير من القبائل الكبيرة كالمخادمة وسعيد عتبة والأرباع وأولاد نايل والشعانبة وغيرهم تحت قيادة موحدة هدفها وقف المد الاستعماري نحو الجنوب.
ففي رسالة بعث بها ابن ناصر بن شهرة إلى سي الشريف بالأحرش أغا أولاد نايل يؤكد التحاقه بالشريف محمد بن عبد الله وعزمه على مقاومة الاستعمار و يدعوه لذلك، ومما جاء فيها: "محبنا وغاية ودنا السيد محمد الشريف ...السيد محمد بن عبد الله قدم وميعاد المخادمة والشعانبة معه...و لم تبق لنا طمعة في بلاد الفرنصيص ... وانت حسبناك منا وإلينا وحسبنا نحن لك وعليك،. وانت في موضعنا... الوصاية"
لم يكلف سي الشريف بالأحرش نفسه الرد على هذه الرسالة بل حولها بتاريخ 10 نوفمبر 1851 إلى قائد شعبة المدية بتحالف ابن ناصر بن شهرة مع شريف ورقلة محمد بن عبد الله تشجّع هذا الأخير وازداد نفوذه وعزم فعلا على التحرك ضد الاستعمار وأعوانه، فزحف بتاريخ 11 ديسمبر 1851 على رأس جيش متكون من قبائل سعيد عتبة، وشعانبة بوروبة (ورقلة)، وشعانبة المواضي الذين قدموا من المنيعة لتدعيم صفوفه، وكانت وجهة الشريف هذه المرة "عقلة المقاديم" قرب الأغواط حيث تقطن اغلبية قبيلة أولاد سعد بن سالم ، الذين سارعوا إلى حمل اسلحتهم، كما استنفرت القوات الفرنسية وأعطيت الأوامر لسي الشريف بالأحرش للتحرك نحو عقلة المقاديم، مدعوما بقبيلة أولاد نايل بقوات قدرها 500 فارس، وبني الأغواط بقيادة الشيخ علي ابن أحمد بن سالم بقوة قدرها 150 فارس، وجبل عمور بقوة قدرها 150 فارس تحت قيادة الدين بن يحي. لكن الشريف استطاع أن ينتصر عليهم، وقتل منهم حوالي 386 رجل كما غنم منهم الكثير من البنادق بالإضافة 500 رأس من الابل و400 رأس من البقر وأكثر من 4000 راس من الغنم، ففي رسالة وجهها الشريف محمد بن عبد الله إلى مدير غدامس الحاج موسى آغا، يسرد فيها بعض تفاصيل هذه المعركة فيقول: "من محمد بن عبد الله إلى الفاضل الورع الحليم البدر الكامل مدير غدامس سيدي الحاج موسى آغا...و أما انا عبد الل هّ حين قدمت إلى بلاد ورقلة ففتح الله علينا بها وصارت محمدية بعدما كانت في يد الرومي دمره الله وخليفة الرومي فيها...و صاروا عربان ورقلة وقصورها وقبائل الشعانبة وقصور تقرت وعربانها والارباع والحرازلية والحجاج وكثيرا من عربان الظهرة وقصور بني ميزاب كلهم تحت طاعة الله ورسوله وطاعتنا، والمجاهدين كل يوم في زيادة...و بعث لنا الرومي دمره الله في هذه الساعة ثلاث امحل، محلة من بلاد العمور ومحلة من بلاد الأغواط ومحلة من جهة النوايل تلاقينا معهم وصرنا مثل الشامة البيضاء في ثور أسود فنصرنا اللهّ نصرا عزيزا، وأعلننا على أعدائه ووقع القتال بيننا بالبارود والسيوف حتى كسرناهم كسرة عظيمة وقتلنا منهم نحو ثلاثة مائة وستة وثمانون رجلا وقلعنا من الخيل كثير والبنادق بلا عدد والخزنة والابل والاخبية والحمد الله على ذلك".
كما بعث الشريف محمد بن عبد الله برسائل مماثلة إلى كل من سيدي الشيخ بن الطيب من قبيلة لأولاد سيدي الشيخ الغرابة، وإلى سيدي محمد بن المكي من زعماء قبيلة بني زناسن، وإلى سيدي محمد بن ملوك مقدم سيدي أمحمد بن علي زيسين من بلاد عطية، وفي هذه الرسائل يعرف بنفسه وكيف خرج نحو مكة، والتقاءه بالشيخ محمد بن علي السنوسي، ثم عودته نحو الجزائر عبر طرابلس ثم غدامس، ومنها إلى تقرت، وكيف استقر بورقلة ثم بداية كفاحه، كما يبشرهم بنصره في المعارك التي خاضها في شهر ديسمبر من سنة 1851 ضد الشريف بن الأحرش وأعوانه، كما يطلب في هذه الرسائل تقديم الدعم له بالرجال والسلاح.
بعد ذلك أخذ الشريف محمد بن عبد الل هّ يستعد لغزو مدينة بريان وكاتب بقية المدن الميزابية يطلب منهم الخضوع وتقديم فروض الولاء والطاعة لسلطته، غير أنهم رفضوا ذلك بل إنهم أعلنوا استعدادهم لمحاربته وتحدوه قائلين له: "إذا أردت القتال فاتجه للفرنسيين مباشرة أعداء البلاد".
في هذه الأثناء انسحب سي الشريف بالأحرش نحو بني يزقن بغرداية الذين استقبلوه بحفاوة، ومنحوه ما احتاجه لهذه المهمة، لكن وقع ما لم يكن في حسبانه بحيث اتصل كل من "بوزيان" و"بجرة" قادة بني الأغواط بالشريف محمد بن عبد الله في متليلي ووعدوه بانضمامهم إليه بتقديم 500 من المشاة لتدعيم صفوفه.
وفي مساء يوم 17 جانفي 1852 التقى الجميع في منطقة العقرب، حيث هاجم سي الشريف بالأحرش قوات الشريف محمد بن عبد الله، لكنه اكتشف خيانة بني الأغواط وجزء من أولاد يعقوب الذين انسحبوا إلى ضفة وادي جدي جنوب جبل بوكحيل، هذه الخيانة دفعت بسي الشريف بالأحرش إلى طلب النجدة من القائد العام لمنطقة بوغار حيث جاء في رسالته: " اذا
كنتم فرنسيين كما أعرف بعصبيتكم وشجاعتكم ... فلتثأروا لهذه الخيانة" وفي الحال أمرت السلطة الفرنسية النقيب بيتي القائد الأعلى لمنطقة بوسعادة بنجدته والتوجه حالا إلى وادي جدي.
.هذه الأحداث أدت بسلطات الاستعمار إلى التفكير من أجل وضع حاجز من القبائل الموالية لها لحماية حدودها في المناطق التلية، ولهذا السبب أمر الجنرال راندون بتاريخ 7فيفري 1852 الجنرال لادميرول في بوغار بتشكيل طابور متحرك من قبائل التيطري وقبائل التل قوامه 1500 فارس تحرك خلال شهر مارس في محاولة للتفاوض مع الأرباع وثنيهم عن التمرد، بالإضافة إلى قبائل أولاد نايل تحت قيادة سي الشريف بالأحرش وفعلا تشكل هذا الطابور المكون من 4 سريات من الفرقة الأولى للصبايحية، 6 سريات من الفرقة الأولى لصيادي افريقيا، كتيبة من قناصة الأهالي، كتيبتين من الخط 12 لمدفعية الجبل.
كما قامت سلطات الاحتلال بإعادة التنظيم الجديد للجنوب فأوكلت لسي الشريف بالأحرش قيادة كل قبائل أولاد نايل لمقاطعة المدية، بينما رأت في أحمد بن سالم شيخ الأغواط بأنه الشخص غير المناسب لهذا التنظيم الجديد، ولا يملك مؤهلات للعب دورا مهم يحظى بثقة الادارة الفرنسية لذلك استدعته إلى المدية بحجة الاهتمام ببعض الأمور التجارية وعينت مكانه أحد أبناءه الشيخ علي لتسيير شؤون مدينة الأغواط، كما عملت على عزل قبيلة الارباع ال كبرى ومحاولة الدخول في مفاوضات معها من أجل ثنيها عن التمرد.
في هذا الاطار تحرك الجنرال لادميرول نحو الأغواط بتاريخ 22 فيفري 1852 واتبع الطريق الذي سلكه "الجنرال ماري مونج قبله سنة 1844 حيث وضع هذا الأخير الخرائط الطبوغرافية اللازمة ووصلت إلى الأغواط بتاريخ 01 مارس، حيث أعطى تعليمات لأحمد بن سالم ثم توجه نحو قصر الحيران حيث ترك هناك حامية عسكرية مكونة من كتيبة الخط 12 وكوكبة من الصبايحية، و بتاريخ 13 مارس عاد إلى الأغواط حيث التقى هناك بالكتيبة الثانية للمشاة الافريقية الخفيفة تحمل المؤونة قادمة من شرشال ولما أبلغ الجنرال لادميرول بقوة ومناعة ابن ناصر اكتفى بمراسلته من تحت أسوار مدينة الأغواط، وكانت تلك المراسلات تحمل نوعا من التودد والعروض المغرية، لكن ابن نصر رفض كل تلك العروض، فرجعت تلك الحملة بتاريخ 02 ماي إلى المدية واعتبرت على أنها عملية جس نبض قوة المقاومة واقترحت على الدوائر الاستعمارية تجهيز حملة أكثر قوة لاحتلال الأغواط التي تعتبر منطقة هامة
وعتبة أساسية للتوسع في الصحراء.
في هذا الوقت أصبحت الوضعية خطيرة بالنسبة لفرنسا في جنوب مقاطعة وهران وفي جبل العمور خاصة بعد الضغوط والتهديدات من قبل الشريف محمد بن عبد اللهّ على أولاد سيدي الشيخ الذين يقودهم الأغا سي حمزة، الرجل الذي يتمتع بنفوذ ديني كبير عند كل قبائل المنطقة والذي جمع أنصاره من أجل التحرك نحو الجنوب للقضاء على هذه التمردات، من جهة أخرى جمع الرائد دوليني قواته في تيارت والمكونة من كتيبة للمشاة والسرية الثانية للصبايحية واتجه نحو البيض، كما أمر سي حمزة بالتقدم نحو وادي زرقون بالقرب من قصر للماية بإتجاه وادي ميزاب.
و بتاريخ 25 مارس 1852 سار الشريف محمد بن عبد الله بالقرب من الأغواط واتجه نحو قصر للماية حيث قام بمهاجمة أولاد يعقوب، ومنها انتقل إلى وادي زرقون أين عسكر بالقرب من أولاد سيدي الشيخ، وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان حيث قام سي حمزة بإرسال 3 فرسان للشريف محمد بن عبد الله لتبليغه الدخول تحت قيادته ولما علم الجنرال لادميرول بما حدث غادر الأغواط باتجاه تاجرونة واستقر عند منابع وادي صقر ليقترب من الشريف، هذا الأخير الذي أخذ الطريق نحو الجنوب، اما سي حمزة فقد كان قلق فالتف نحو وادي صقر وتوقف عند أسوار بريزينة.
و بتاريخ 2 أفريل و بسبب هذه التطورات غير الرائد دوليني من مساره واتجه نحو ستيتن من أجل مراقبة قصور بريزينة والغاسول واحتواء مشتريات أولاد سيدي الشيخ الغرابة والأغواط، ودخل في مفاوضات مع سي حمزة الذي وقع في ضغط بسبب حصاره من قبل قوات دوليني وقوات لادميرول فاضطر إلى الاستسلام.
و بتاريخ 7 أفريل أخذ الرائد دوليني طريقه نحو الشمال مصحوبا بسي حمزة الذي قدم له 3 رسائل استلمها من الشريف محمد بن عبد الله ل كي يرسلها إلى 3 شخصيات مهمة في الغرب وهي: الأولى إلى سي الشيخ بن الطيب زعيم بني معطر قرب وهران، والثانية إلى سيدي محمد بن مكي رجل يملك نفوذ عند بني سناسن والمغاربة على الحدود، والثالثة لسيدي محمد بن ملوك مقدم زاوية سي امحمد بن زيعن مرسلة لكافة شرفاء الغرب، وكانت هذه الرسائل تحمل في معانيها الحماس الديني والدعوة إلى الجهاد، وكانت بالنسبة لقوات الاحتلال مؤامرة دينية تحاك ليس فقط عند قبائل جبل العمور ومقاطعة المدية بل كل سكان الحدود من الغرب وإلى الجنوب.
وقد جاء في إحدى الرسائل وهي الموجهة إلى السيد الشيخ بن الطيب ما يلي:
"أعلمكم يا أخي أنني كنت في مكة لغرض الدراسة هناك، وقد بقيت أربع سنوات، في نهاية العام الماضي تلقيت أمر من شيخنا الذي هو الشريف سي محمد بن السنوسي رضي الله عنه للذهاب إلى الجزائر من أجل الدعوة إلى الحرب المقدسة، غادرت ووصلت ورقلة فوجدتها بحوزة الفرنسيين، فبقيت متخفيا لمدة شهرين تقريبا ...لقد تم ايقاف خليفة الفرنسيين وتدمير قصره... لدينا جيش عظيم مؤلف من التوارق، الطرود، قصور بني ميزاب، كل الأرباع والحرازلية... وقد أرسل لنا الفرنسيون ثلاث طوابير لقتالنا من جبل العمور، من بني الأغواط، ومن أولاد نايل، اجتمعنا بهم وقد هزمناهم وغنمنا منهم الكثير من الأغنام والابل والبارود وقد قتلنا منهم نحو 300 رجل بينما مات من جيشنا 18 رجل... أرسل لنا من يريد أن ينظم إلينا وإن كنت خائفا فأبقى جالسا، إن الله يعلم ما في القلوب، تحية إلى أعمامي سيدي أحمد الحاج وسيدي الحاج الشيخ بن المدني...".
وكان من أمر سي حمزة أن عزله الجنرال بيليسي ووضعه في الاقامة الجبرية بوهران وأوكل لأخيه سي النعيمي قيادة أولاد سيدي الشيخ، هكذا استطاعت القوات الفرنسية تحييد أولاد سيدي الشيخ وتجنب تمردهم الذي كان يمكن أن يحدث حصارا تاما عليها في الجنوب.
ومن أبرز المعارك التي قادها ابن ناصر بن شهرة رفقة الشريف محمد بن عبد الله في هذه الفترة تلك التي وقعت بتاريخ 22 ماي 1852 جنوب واد جدي، و يسميها الفرنسيون بعملية "الكومندان كولينو" حيث زحفا الاثنان من ورقلة فسيطرا على نقوسه ودخلا تماسين دون مقاومة فانضمت لهما أعداد من ثوار واد ريغ والشعانبة وسعيد عتبة، كما حاولا دخول تقرت بمساعدة سلمان الجلابي أحد منافسي سلطان تقرت عبد الرحمن الجلابي ل كن هذه المحاولة باءت بالفشل فاتصلا مع ابن الأحرش في الجلفة للحصول على مساندته لكن هذه المفاوضات فشلت، و بهذا كله أصبح الاثنان يهددان المركز الفرنسي في بسكرة الذي كان تحت قيادة "كولينو" فما كان من الأخير سوى توجيه ضربة إلى هؤلاء المقاومين فوجه قواته بشكل سريع في مساء يوم 20 ماي تتكون من أكثر من 200 بين فارس وصبايحية وقناصين، وفي اليوم الثاني 21 ماي جمع حوالي 700 فارس من قوم تلك المناطق، كما تلقى مساعدات من بوسعادة بقيادة "الكومندان بان " ومن باتنة بقيادة " الكولونيل ديفو".
والتقى الجمعان صبيحة 22 من ماي 66 فحول "ال كوم ندان كولينو" توجيه ضربة جريئة وسريعة للثوار لكن حنكة ابن ناصر ومحمد بن عبد الله جعلته يفشل و يتكبد خسائر كبيرة في صفوفه وذلك من خلال حرب ال كر والفر نظرا لقلة العدد والع دة مقارنة بالقوة الفرنسية، وتذكر المصادر الفرنسية هنا أن الثوار خلفوا 150 قتيلا وال كثير من العتاد بعد هذه المعركة انسحب كل من ابن ناصر ومحمد بن عبد الله جنوبا إلى ورقلة وبالضبط إلى الرويسات حيث تم عقد اجتماع بين شهري جوان وجويلية قصد تقييم الوضع ورسم
خطة حرب جديدة تتلاءم مع الوضع، فتم الاتفاق على جعل مدينة الأغواط منطلقا للعمليات ضد الاستعمار، وقد شرع في تنفيذ هذه الخطة مع نهاية شهر جويلية حيث دخل ابن ناصر ابن شهرة قصر الحي ران بتاريخ 31 جويلية 1852 واستقبل استقبال الأبطال من أهلها فأقام بها التحصينات ونظم التموين وكان هدفه من تحصين قصر الحيران هو جعلها مركز لجمع المجاهدين والثوار من كل المناطق المجاورة.
و بالفعل فقد توافدت أعداد معتبرة من الثوار 09 سبتمبر 1852 وكان أول الوافدين الثائر " التلي بالأكحل" ومعه عدد كبير من سكان منطقة بوسعادة أولاد نائل و بتاريخ سبتمبر وصل"يحي بن معمر " رفقة وفد عظيم من الأغواط والذين رفضوا تواجد الحامية العسكرية الفرنسية بمنطقتهم وأيدوا سياسة ابن ناصر الثورية، كما إنظم له يحي بن سالم شقيق أحمد بن سالم، ثم التحق به شريف ورقلة محمد بن عبد الله، فاتجها من قصر الحيران إلى مدينة القرارة للتسليح والتموين.
وفور وصول هذه الأخبار إلى السلطات الفرنسية، أدركت أهمية المنطقة وضرورة السيطرة عليها لذلك عزم "الجنرال يوسف" القائد العام لمنطقة المدية -والذي خلف الجنرال لادميرول- على مراقبة الوضع عن قرب فشرع في بناء مركز قيادة جديد في مدينة الجلفة وقد اختار هذه المنطقة لكونها النقطة الرابطة بين بوغار والأغواط وهي قريبة من هذه الأخيرة تسمح بمراقبة الثائرين.
ولما علم "الجنرال يوسف" بقدوم قوة ابن ناصر بن شهرة ومحمد بن عبد الله باتجاه الأغواط سار جنوبا على رأس قوة كبيرة لصدهم عنها، وكان قبل سيره ذاك قد بعث برسائل إلى سكان الأغواط يحثهم فيها على عدم استقبال المقاومين لأنهم يشكلون خطرا عليهم، لكن هذه الحملة باءت بالفشل بالرغم من وصولها لمدينة الأغواط حيث تم ترتيب بعض الأمور الخاصة بالحامية الفرنسية هناك، ثم رجع الجنرال بحملته إلى الجلفة يوم 17 أكتوبر مبررا فشله بعدم المجازفة في منطقة يجهلها وهي بعيدة عن أقرب مركز للقيادة الموجود بالمدية ولأن مركز الجلفة ما زال في طور البناء
وبعد هذه الحملة أرسل ابن ناصر ابن شهرة أخيه سي النعيمي رفقة الشريف محمد بن عبد الله نحو المناطق الشمالية في اتجاه جبال العمور وذلك لجمع أكبر عدد ممكن من الثوار تطبيقا للخطة المتفق عليها في تلك الصائفة حيث كانا على رأس قوة تتألف من 500 فارس و 300 جندي مشاة واستطاعا من خلال هذه الحملة أن يحرضا كل قبائل منطقة وهران وخاصة سكان عمور، والأحرار، والأغواط الذين انتفضوا في تلك المناطق وكان سكان الأغواط وعلى رأسهم ابن ناصر بن شهرة مستعدين لتنفيذ هذه الخطة، فهم في انتظار وصول القوافل القادمة من التل والمحملة بالقمح والمؤون قبل القيام بأي عمل ضد الاستعمار وكان ذلك من القضايا ذات الطابع الاستراتيجي والتي اتسم بها تفكير ابن ناصر ابن شهرة، و بعد وصول ما كان منتظر و بتاريخ 29 أكتوبر 1852 قام سكان المدينة بمحاصرة جنود الحامية الفرنسية بالمدينة وعلى رأسهم الملازم بن أحميدة، فجردتهم من أسلحتهم وطردتهم من المدينة بتاريخ 31 أكتوبر 1852 حيث وصل ابن أحميدة إلى مركز القيادة الفرنسية بالجلفة يوم 01 نوفمبر 1852.
وأصبح الوضع بذلك مقلقا جدا ومهدد للوجود الفرنسي في مناطق كان قد وص لها هذا الأخير منذ مدة، لذلك زود الحاكم العام قوات "الجنرال يوسف" بسريتين من القناصة وسريتين من الصبايحية وكتيبة للرماة وكلفه بتعقب المقاومين ابن ناصر ابن شهرة ومحمد بن عبد الله، وكذلك فان قائد مقاطعة إقليم قسنطينة زوده بقوات عهد لقائد الحامية في بوسعادة بقيادتها رفقة مؤونتها اللازمة ووضعها تحت تصرف "الجنرال يوسف"، كما تشكل طابور س ريع التحرك في بسكرة بعناية "الجنرال مكماهون" كلف بملاحقة ابن ناصر ومحمد بن عبد الله اللذين سيطرا على مناطق في الشرق.
وللضغط أكثر على ابن ناصر بن شهرة والشريف محمد بن عبد الله والثائرون معهم ومن أجل إعادة الثقة إلى سكان الصحراء وطمأنتهم حاولت السلطات الاستعمارية محاصرة الحدود التي ينشطان بها فبالإضافة إلى تجنيد القوات التي سبق ذكرها توجه "الجنرال بيليسي " قائد مقاطعة وهران رفقة "الجنرال بوسكارين" إلى البيض على رأس قوة مؤلفة من :
* كتيبتين من الزواف ....................................... 1250
* كتيبة الخط الخمسين ......,,.............................. 600
* نصف ال كتيبة الأولى الإفريقية ............................... 600
* ثلاث سريات قناصة ..................................... 330
* سرية واحدة من الصبايحية................................. 110
مجموعها 2890 جندي وقاما ببناء مركز قيادة هناك يؤمن المؤونة للعمليات العسكرية في الجنوب وقد عين الحاكم العام المارشال راندون الجنرال بيليسيي قائدا عاما لجميع القوات العسكرية العاملة في الجنوب
وفور سماع الجنرال يوسف ما حدث من ثورة سكان الأغواط على جنود الحامية حتى تجهز من مركز قيادته الجديد بالجلفة وقصد الأغواط على رأس قوة كبيرة تقدر ب 20 ألف جندي، وفي تلك الأثناء كانت وفود المقاومين تصل إلى مقر القائد ابن ناصر بن شهرة في قصر الحيران، فحاول الجنرال يوسف قطع الطريق على هذه الوفود فعسكر في ميروسة على بعد 15 ميل من قوات ابن ناصر بتاريخ 18 نوفمبر وفي اليوم الثاني واصل زحفه حتى لم يبق له سوى ميلين.
وأمام هذا التصعيد قرر ابن ناصر ابن شهرة ومحمد بن عب د الله الزحف بقوة على موقع العدو حيث جرت معركة من أكبر المعارك التي شهدتها المنطقة آنذاك يوم 21 نوفمبر تكبد فيها العدو الفرنسي خسائر كبيرة إضافة إلى بعض قادته كالنقيب" أشطايل"، وهو الأمر الذي جعل الجنرال يوسف ينسحب إلى قصر العسافية في حين دخل الثوار إلى مدينة الأغواط تحت تكبيرات وتهليل السكان، وقد بدأوا على الفور في عمليات التحصين والتحضير للمواجهة الحاسمة مع العدو. وللإشارة هنا فإن قصر العسافية كان مستودع الذخيرة لابن ناصر ابن شهرة حيث أقام فيه مصنعا للبارود تحت الأرض، لكن القوات الفرنسية لم تنتبه لذلك.
5/ دوره في انتفاضة مدينة الأغواط:
عملت الإدارة الاستعمارية على بث روح النزاع والفرقة بين القادة والزعماء من القبائل وشيوخ الزوايا مما أدى إلى زعزعة المنطقة ونشوب اضطرابات في غاية الخطورة في الوقت الذي اشتعل فيه فتيل مقاومة الزعاطشة 1849، وهي كلها معطيات أقنعت فرنسا بضرورة شن حملة على الأغواط التي شهدت اندلاع انتفاضتها وظهور قيادات مقاومة بها، وكان الاستعمار الفرنسي حريص كل الحرص على احتلال هذه النقطة بالذات لأنها ذات موقع استراتيجي هام وأحد الأعمدة الأساسية للسياسة الاستعمارية ذات الأهداف بعيدة المدى لاحتلال الصحراء الكبرى وجزء كبير من إفريقيا جنوب الصحراء فالأغواط تشكل:
1/ مركز متقدم لجنود الحراسة.
2/ بوابة للصحراء وقاعدة عسكرية يمكن التوسع منها إلى مناطق صحراوية أخرى .
3/ نقطة استراتيجية متساوية البعد بين الجزائر والقليعة وورقلة وقريبة من البيض وأولاد سيدي الشيخ وتسمح بأخذ جبال العمور من الخلف وهي أقرب نقطة استراتيجية صحراوية إلى مدينة الجزائر.
4/ مركز تموين الجيوش وإيوائها ومحطة للمياه.
5/ نقطة مراقبة تجارة الميزاب نحو التل ونقطة ارتكاز وحماية القوافل مثل معاهدة 1853
6/ قاعدة عسكرية وموقع جيد لكل التحركات
7/ الموقع العسكري للأغواط يسمح بملاحظة ومراقبة وتحديد تحركات السكان إلى إفريقيا جنوب الصحراء.
8/ تشكل الأغواط و بسكرة و بوسعادة والبيض حزاما للأمن لكل شمال الجزائر.
9/ من الأغواط وفي حالة أي عصيان مدني على بعد 400 كم فان القوات العسكرية يمكن أن تتدخل في كل الاتجاهات من عين الصفراء إلى تقرت إلى القليعة
10/ منتجات الأغواط الفلاحية وتجارتها تسمح لفرنسا أن تراقب كل حركات العرب الرحل وإرغام السكان على الاتصال بالنظام الاستعماري.
كل هذه العوامل كانت تدركها السلطات الاستعمارية بشكل جيد، كما كان يدركها أيضا ابن ناصر بن شهرة لذلك فان الصراع كان على أشده للسيطرة على هذه المنطقة، وعليه فان الاستعمار لم يستطع أن يسيطر عليها إلا بعد أن جيش لها خيرة رجاله و بأعداد كبيرة، فقد أحاطت القوات الغازية المدينة من كل جوانبها وكانت موزعة كما يلي:
* من الشمال الجنرال يوسف
* من الشمال الغربي العقيد تروملي
* من الغرب الجنرال بيليسي
* من الجنوب الغربي الجنرال بوسكارين
* من الجنوب الشرقي العقيد بان
* من الشرق الرائد موران
وهذا تفصيل لأهم القوات التي حاولت القضاء على انتفاضة ابن ناصر ابن شهرة واحتلال مدينة الأغواط
1/ فصل قوات الفرقة الأولى والثالثة والرابعة للمدفعية.
2/ فصل الفرقة الثالثة للهندسة.
3/ الخط الخمسون مع كتيبة تحت قيادة " العقيد جرارد"
4/ الخط الستون مع كتيبتين تحت قيادة " العقيد ماركيز دو لينيار"
5/ الفرقة الأولى من الزوافين مع كتيبة تحت قيادة " الرائد باروا"
6/ الفرقة الثانية من الزوافين مع كتيبتين تحت قيادة كل من " العقيد كليرك" والرائد موران " و"الرائد ملافوس."
7/ ال كتيبة الأولى للمشاة الإفريقية الخفيفة تحت قيادة " الرائد ليبيرت."
8/ كتيبة للرماة تحت قيادة "الرائد روز."
9/ فصل من فيلق للرماة من إقليم قسنطينة.
10/ أربع سريات للفرقة الثانية للصيادين إفريقيا تحت قيادة "العقيد رام"
11/ سريتان للفرقة الأولى للصبايحية تحت قيادة" الرائد فرانك."
12/ سريتان للفرقة الثانية للصبايحية تحت قيادة "الرائد دولاتور لوندو"
وقد حدثت عدة مواجهات بين تاريخ 21 نوفمبر وإلى غاية 02 ديسمبر تاريخ الهجوم المكثف والذي استعمل فيه الفرنسيون تلك الأعداد الضخمة من الجنود، وجرت المعركة الفاصلة من 02 إلى 04 ديسمبر 1852 تاريخ سقوط مدينة الأغواط بعد استماتة عظيمة ومقاومة عنيدة جدا من قبل المقاومين وعلى رأسهم ابن ناصر ابن شهرة والشريف محمد بن عبد الله. حيث جرح هذا الأخير وأخرجه ابن ناصر ابن شهر من الحصار المفروض على المدينة دون أن يعلم الجيش الفرنسي.
ارتكبت فرنسا أبشع الجرائم عند احتلالها للمدينة فقد قتلت ثلثي سكانها أي حوالي 2500 شهيد من أصل 3600 ساكن في ذلك الوقت، كما عاث الجنود الفرنسيون بالمدينة لأكثر من أسبوع كانوا ينتقلون من بيت إلى بيت، و يطلقون النار دون أي تمييز و ينهبون و يسلبون الأثاث والنقود والحلي، و يحرقون المؤونة، ولم تسلم حتى ال كتب التي في الدور أو المساجد هذه الأخيرة التي دمر اثنان منها وحول الثالث إلى إسطبل للحيوانات أما الرابع فقد حول إلى كنيسة، أما من بقي حيا من السكان فقد وضع لهم محتشد كبير عانوا فيه الجوع والمرض والمهانة كأنهم حيوانات، ومنهم من استطاع الفرار إلى خارج الحصار، أما أكبر جريمة ارتكبتها القوات الفرنسية فهي جمعها لأعيان المدينة ووضعتهم في أكياس أغلقت عليهم، ثم أحرقتهم قرب وادي أمزي ورمت ما يقارب 256 جثة في آبار، هذه الجرائم المرتكبة يشهد بها الفرنسيون أنفسهم، فأحد الضباط المشاركين في الحملة يقول : "حمل جنودنا على البلدة من كل صوب ... لا يخامرهم أدنى تردد في الفتك بكل من يعترض سبيلهم أو يحاول مقاومتهم مستخدمين كل ما لديهم ... وتم القضاء بالسلاح الأبيض على من تبقى من المقاومين .. " و يقول مرة ثانية : "... المجزرة كانت رهيبة والأزقة مغطاة بالجثث" كان الجنرال بيليسي في أتم الابتهاج والفرح وعلى جماجم هؤلاء احتفل بالنصر حيث فرشت الزرابي الفاخرة وسط المدينة وتناول عليها غداءه وهنأ ضباطه على انجاز المهمة، ومما جاء في مذكرات النقيب دوبرا إن الجنرال بيليسي اتخذ بعد المجزرة قرارا بهدم المدينة واقتلاع نخيلها وترحيل من بقي من السكان إلى منطقة أخرى في الجزائر، كما يصف الكاتب الفرنسي فرومنتان عند زيارته للأغواط بعد ستة أشهر من المعركة بأنه وجد المدينة ما زالت تفوح في جنباتها رائحة الجثث المتعفنة، وأن الكلاب تأتي ليلا لنهش أشلائها و يواصل قائلا :" جميع الأملاك المصادرة وضعت مؤقتا في عهدة حارس قضائي أما فيما يخص تلك الغنائم العظيمة من السجاد والأسلحة والحلي ...فيمكن القول أنه لم يبقى منها شيء في الأغواط...كل البيوت فارغة، من أفقرها إلى أغناها وتخالها مدينة رحل كل ساكنيها"
خاتمة:
تعتبر مقاومة ابن ناصر بن شهرة 1850 1875 من أطول المقاومات الشعبية في الجزائر وأوسعها من حيث الرقعة الجغرافية التي انتشرت فيها، كما تعتبر ذات بعد إقليمي عربي مسلم وليس وطني فحسب، فوطنيا شاركت فيها الكثير من القبائل والكثير من الطرق الصوفية كالقادرية والسنوسية والشيخية والرحمانية...و إقليميا فقد كانت تونس أيضا ميدانا لهذه المقاومة خاصة منطقة نفطة وتوزر والجريد، كما شاركت ال كثير من القبائل التونسية في هذه المقاومة، وأيضا نالت دعما من الدولة العثمانية ولو معنويا، الشيء الذي بينّ مدى التلاحم والتضامن بين الشعوب العربية والإسلامية في ذلك الوقت، كما تعتبر مقاومة ابن ناصر بن شهرة من أهم المقاومات في الجنوب الجزائري التي قارعت التوسع الفرنسي وزحفه نحو الصحراء الجزائرية وعطلت مشاريعه وطموحاته بتكوين الإمبراطورية الفرنسية الواسعة في ظرف وجيز، كما تعتبر شخصية ابن ناصر بن شهرة من أهم الشخصيات التي تمتعت بحسها الوطني العالي تجسد ذلك من خلال مشاركته في ال كثير من الثورات والمقاومات التي عاصرها، وشارك في الكثير من معاركها كجندي مدافع، غير مدعيا للزعامة ولا للقيادة، تل كم هي بعض خصال ملاح الصحراء والذي لم يترجل عن صهوة حصانه إلا بعد أن بلغ من العمر عتيا.